كتاباتي..سلسلة حالة عربية

 

هل هزمت حقا؟

 

يسألني صديقي الذي سمى نفسه بالمهزوم .. فهو لا يعلم باننا ننتقل من حالة جميلة تشعرنا بالانجاز و الاتقان و الابداع الى حالة قد تكون نقيضا تماما و نحاول الارتقاء اكثر و اكثر علنا نجاهد الطفل الذي يسكننا و نرضي الوجه المثالي الذي يتسلط علينا و يجبرنا على تعريف الحياة من خلاله. فلا نقبل الوهن و بذلك نضطر الى ان نعيش فيه للابد.. لاننا لا نعترف بفترات التعافي و الشفاء.

 

الكثير لا يختبر مع ذاته من علاقات الا علاقة التحدي حتى يعتريه الارهاق و الاستنزاف فلا تسعفه لحظات النجاح و لا تريحه محطات الوصول. لا تستقوي ايها القوي على الضعيف...و  لا يجوز لك ان تستقوي على من هو اضعف منك و عليه فلا يجوز لك ان تطلق احكامك القاسية و مثلك الاعلى و مثالياتك على الجزء الضعيف الذي هزم منك و يتمنى ان تنتظره عله ينضج و يكبر و تندمل جراحه .. و اذا اردت التحلي بالشجاعة و النبل فما عليك الا ان تخفض جناح الذل من الرحمة لذلك الجزء من ذاتك التي انهزمت و خسرت .. علها تجد في نبلك سلوانا و دواء لها.

لماذا نضع ذواتنا في كل تلك المأزق الوجودية و نحيطها بكمية المغالطات المنطقية  ... فنجد انفسنا امام اكثرها انتشارا و هي " اكون او لا اكون".... هل قررنا التوقف عن النضج و النمو منذ ان تبنينا معتقدات الاخرين بعدم كفاءتنا و غاب هؤلاء الاخرون و بقيت معتقداتهم و ما تبنيناه منها. بدأ هذا الانهزام قبل ان نعرفه.. بدأ منذ الطفولة .. بدأ في البيت و استكملته المدرسة و اتممته مصادر التطبيع الاجتماعي التي تعيش في برجها العاجي...

 

اصابنا التذبذب و الانتقال بين مرارة الاحساس و بين تبلده و نعيش على فتات من الرضى المؤقت الذي قد يخترق مسامعنا من حين لاخر ....إلا ان وعينا الابدي بعدم جدارتنا يظل حاجزا و مانعا لأي تأكيدات تأتينا من الواقع....

 

ويصبح وجودنا المادي العيني هو دليل وجودنا اما وجودنا الانساني فيغيب و يصبح بلا معنى لان ادلته ليست بالمادية التي نفقهها ... و ينهار مفهوم الوجود الذاتي و يطغى عليه مفهوم وجود الاخرين و معاني الانهزام و الانتصار التي يعرفون و تقل نسبة المنعة الذاتية و تعلوا نسبة فقد المناعة المكتسبة لقيم الاخر الذي استبد بكيان الانسان و جماله الداخلي بغض النظر عن انجازاته.

 

لماذا لا تسعفك عزيز حقيقتك و تركيبتك و معرفتك لذاتك ؟ هل لانك لا تعرف تقنين مشاعرك و لم تمارس التنفيس و التفريغ العاطفي الذي صنفه لك الاخر على مر الزمان على انه ضعف فظلت حالات الانفجار و التناقض المتطرف تفترس كل لحظات الرضى و الرحمة....

 

الانسان ذلك المكون العجيب ... الذي يقوده ابداعه الى ابداع اخر .. فهو أيضا يقوده انهزامه الى انهزام اخر و هذا بالطبع عصي عليه ان يقبلة او يتصالح معه.. فهو متعاقد من ذات لا ترحم و لا تغفر و لا تقبل بانصاف الحلول... اما التحدي شعور جميل يجدر به ان يشعرنا بالامتداد فلا يعود الكون حدا لنا و لا لما ننجزه .. فلا تعود لحظات الانجاز تحيينا و لا تعود لحظات الانهزام تقتلنا..... وهذا هو جوهر البيئة التي تمتلئ بالامان و الحرية و الابداع و خلق الطموح ....الذي لا يغريه التصفيق المستمر ليكمل العرض و لا يثنيه كارهوا النور ... فنبعه داخلي و حبه ذاتي و سنده منه و عليه... فلا تعود الحائط التي تميل او تضعف تخيفه ابدا فهو غني عنها....

 

و اختم كلامي معك عزيز بسؤال عله يجيب عن سؤالك.. هل من الممكن ان يكون الانهزام نبيلا؟ و هل من الممكن للقوة ان تكون و بدون انتصارات؟



 
            ميزان رحيم وليس بالضرورة عادل


 


القلق: أحتاج الى ان أهدأ قليلا.. ارهقتني الحياة .. لماذا تجتاحني كل تلك المشاعر؟ تزيد عن حاجتي ترهقني و تزعجني و تزيد من همومي. لماذا أجد القلق يدفعني بقوة من الخلف؟  بل من كل مكان فيقذف بي في اي مكان....


 


فيرد الاكتئاب: انتظر ما يجرني من الامام ... افترسني الحزن فقدت معنى وقيمة ما كنت أبجل و أحب و كأني رأيت شيئا لن أعود لرؤيته بشكل أخر مرة أخرى..... هو اكتشاف لا رجعة فيه. كلانا يا صديقي يعاني فقد الاستمتاع بالأشياء.



القلق يلهث وراء ما يريد و الاكتئاب لا يريد شيئا ابدا. الاول تهدده الاشياء و الثاني لا تحركه. القلق يهاب العزلة و الاكتئاب يألفها...القلق يعاني من تعقيدات و كثافة الاسباب التي تدفعه للأشياء و الاكتئاب لا يرى سببا منها يساوي لديه جناح بعوضة.


 


الانتصار عليهما رحلة قد تكون صعبة و لكن على الاقل اكثر متعة من الغرق في أحدهما!.. يصرُ صديقي القلوق ان هناك حياة مثالية يمكن ان يعيش فيها بكل ما في المثالية من معنى أما المكتئب فكأنه اكتشف ان عالمنا ليس بالمثالي و لذلك قرر ان لا يعيش فيه .... كلاهما اغتالتهما فكرة الكمال.


يحتاج ذوي القلق ان  يتصالحوا مع منغصات الحياة و ذوي الاكتئاب يحتاجون الى التصالح مع الحياة ذاتها ووجودهم فيها ...القلق يحتاج الى بعض الزهد الذي اعترى المكتئب و لعل المكتئب يحتاج ان يحمل بعض الحرص.


 


ورغم هذه الاختلافات و رغم هذه التناقضات... ألا يتشابهان؟ كلاهما يحتاج الى اعادة تقييم الاشياء و اختيار أطر مرجعية جديدة لرؤيتها....كل منهما يبالغ او يقلل في قدر الاشياء من حوله... يحتاج الى ميزان رحيم لذاته ..يحتاج ان ينظر الى نفسه بعين الرحمة و ان يعلم انها ليست الاشياء و انما نظرتنا لها.. عجيب ايها الانسان كيف لك ان تكون في قمة القلق و من ثم يعتريك هذا التبلد... تريد كل شيئ و تنتهي بسعي حثيث لتخسر كل شيئ ... هل تبدأ الرحلة بقلق و تنتهي باكتئاب ؟ وكيف اذا اجتمعا في قلب أحدهم؟ 









رسالة حي

همس في أذنها ..الآن أنا مستعد أن أموت..و اخترقت كلماته كل الحدود و كل المخاوف و كل أنواع حرارة المعتقدات و التهديدات و الأسئلة ووصلتني أنا.....و قلت لنفسي....ماذا اريد ؟

فجأة..استحضرت اوجه الاطفال الذين تتغير ملامحهم و حركاتهم في حضوري... استحضرت عيون قد لا تقول الكثير لكن تقوى على تهريب القليل .. استحضرت الاخرين الذين يشعرون بالارتياح في وجودي دون ادنى جهد  مني ... و استحضرت الذين استطعت ان اقاوم الاقنعة التي ارادوها لي فقاوموا الاقنعة التي ارادها لهم اي أخر يعرفونه او لا يعرفونه... استحضرت القداسة التي خلعتها عن نفسي و تخليت عنها بعد ما عصرتني و اجبرتني ان اتخلى عن الكثير و فتحت الباب للكثير ليراها و يستشعرها و يعلم متى و اين تغتاله فيستسلم لها....ثم اكتفيت و ابتعدت علهم يمروا بالمخاض الذي مررت به... استحضرت الكثير و لم اقوى على استحضار اي شيئ لم احققه... غرقت فيما تحقق رغم بساطته و اسقطت مالم يتحقق ...حتى بدت المشاريع الضخمة التي تنتظر...و كأنها لا تساوي جناح بعوضة... و عرفت البعوضة و عرفت الجناح و استوقفتني حالات التشنج لانجاز اي شيئ و عرفت ان مخاوفنا هي مجرد تفاصيل و ليست اي شيئ اخر و خلقت فرضياتي الجديدة ...و اصبح للمستقبل ملف يمكن اغلاقه تماما كملف الماضي... و عرفت ان المشروع الحقيقي الذي نريد انجازه و يؤلمنا هو ذواتنا ... انسانيتنا...... و حالة التصالح مع ما مضى... وما سياتي.... الماضي و المستقبل....كلاهما مؤلم... كلاهما صعب...ولكن كلاهما يفقدان الثقة بما نحن عليه الان... كلاهما انتهاك لي انا .. كلاهما افقداني الشجاعة لان اكون الان... و كلاهما غير حقيقي.. غطتهما تصوراتي و انطباعاتي و حيلي و مؤامراتي..... و ببساطة تقلصت حالة الهدر و الهدم و الاستنزاف و الارهاق و الاستهلاك و بدات اتقن الاستمتاع بالقليل الذي احمل...و احتفلت بكوني احتفل  ... ورايتني اقوى على الاحتفال للحظات او  لخمسين سنة قادمة... بدون وجود اي فروقات في طول المدة. 

فعرفت ان ما لدي من ماديات لم يكن كافي حتى اضفيت عليه معنى و اسم و بدات أخلص لنفسي و عرفت و اعترفت بطبيعة و ازمة ان لا اتفق مع نفسي على شيئ بشكل نهائي فاتسعت مشاعري للنمو المستمر و ليس النهائي وضاقت مشاعري عند الاخرين و نهاياتهم و لله الحمد.




لا تظهر الثقافة في المعرفة و إنما في السلوك

يجدر بي أن اشرح لك عزيزي القارئ عن حالة البحر الذي كنت أراه يومها و جمال المنظر و الطقس حينها إلا اني سأعتمد على معلوماتك التي تعرفها عن شاطئ جدة علك تخرج بصورة افضل من تلك التي سأرسمها لك. لأن ذاكرتي الضعيفة استطاعت ان تحتفظ بالحدث و كأنه مجرد من المكان و الزمان....... في ذاكرتي الضعيفة صورة ذلك الفرس و فارسه الفخور .... يترجل فرسه من حين لأخر ليفاوض اباء الاطفال في اعمارهم و الكبار في حجمهم على ركوب ذلك الفرس بمقابل زهيد .

و على الطرف الاخر من الشارع العريض يظهر موظف البلدية الحكومي الذي ينظر من بعيد ليستشعر أولى مهامه .... و هي قد تكون المحافظة على الشكل العام للشاطئ ام على عدم وجود متخلفين رسميا في تلك المنطقة....لا اعرف ... و يظهر لي انه أيضا لا يعرف .... قرر الفرس حينها ان يتشنج و يمد قدماه في التراب و كأنه خيمة ارادت الصمود امام رياح عاتية في حين يتوسل الفارس فرسه ليتحرك ....و لكن دون جدوى...و موظف البلدية المجتهد الحريص يجر نفسه جرا الى الامام علَ الفارس ينجو بفرسه و علً اليوم ينقضي بلا عراك و لا حراك....و العجيب فرحة الحصان بما يحدث و كأنه قرر ان ينتحر على أيدي موظف البلدية علَه يرحمه و ينقذه من زبائن ثقيلي الطينة لا يرى منهم إلا الضرب و الدفع الاجباري مقابل بعض السكر و الماء ....

وقفت انظر الى ذلك الفارس الذي تحول الى متسول مسكين يجر اذيال الخيبة بعد ان فقد فرسه و بدأ يجري و يبتعد ليحسب حسبته و ينجو بنفسه ....و اصبح الموظف ماسكا بذلك الفرس ينظر حوله فلا يجد الا البحر و الرمال و سيارته الحكومية .....و بدأت المشكلة التي تحتاج الى حل سريع و مفيد....ينظر الموظف الى الفرس الذي اصبح بين يديه دون قصد منه و لا اجتهاد و ينظر تارة الى سيارته التي لن تكفي لذلك الفرس حتى و ان رغب ان يطأها بإحدى قدميه فقط ...و اخذ يستشعر الحلول واحدا تلو الاخر.....و الحصان يتحرك معه و كأنه يقرر الاستسلام.....و الحقيقة انه وجد حلا دون ان يمر على اي من الخيارات الاخرى و تحول فجأة من موظف مجتهد الى حلال للمشاكل. و اذا به ينادي على رجل قصير القامة نحيل الجسد محاط بكومة من الاطفال كان قد وعدهم بيوم جميل على البحر و جولة مخفضة على ظهر ذات الحصان ..

و اذا بالرجل فجأة يصبح من ذوي الاملاك و ما عليه الا ان يمتطي فرسه الجديد و يذهب به حيث يشاء فقط لان الموظف المجتهد خانه اجتهاده و لم يعد يعرف ما ذا يفعل بالحصان. و كدت اصدق حينها ان الموظف مجتهد و ان قصير القامة نحيل الجسد أب بسيط يريد قضاء يوم هادئ مع اولاده. تذكرت حينها اقوال مالك بن نبي في الثقافة و المجتمع.. .. حين قال ان الثقافة نظرية في السلوك و ليس في المعرفة كالراعي و الطبيب في مجتمع واحد..... يتصرفان بنفس الطريقة ....في حين يتصرف طبيبان من ثقافتان مختلفتان بطريقة مختلفة. و تحول الموظف الى حلال المشاكل و تحول النحيل القصير الى فارس و تحول الفارس الى متسول خيب البحر اماله. و تذكرت اهمية دراسة التاريخ التي تعلمنا ان دوام الحال من المحال .

و رغم اني أقمت حوارا في منتهى الادب مع الفارس الجديد و حلال المشاكل الذي أدى الى ان يترك كلاهما الحصان و يبتعدا عني و يسلماني اياه و بدأت جهودي في لم شمل الفارس و فرسه و بدأ التاريخ يعيد حالهما على ما كانا عليه ..... الا اني اذكر تماما اني تركت كلا من الفارس و فرسه و حتى الموظف و الرجل النحيل في قمة الحزن .



حالة عربية

 

قيم الكبار كانت في زمان و مكان محدد فقط

 

عزيزي الكبير....هل تعرف من هم الصغار؟

 

تذكَر نفسك عندما كنت صغيرا....طفلا....جمال الطفولة ...الالعاب....الجيران....المدرسة و ساحتها و مبانيها و مقاعد الدراسة و الحارس العصبي و العمال الذين يصيبهم الخمول قبل ان يبدأ يومهم و المقصف الجميل و ركنك في السَاحة الذي لا يجرؤ احد على الجلوس فيه و كأنك تحمل صكوك ملكيته ..هل تذكر ...حاول ان تتذكر تذكر مشاعر الرغبة في التخريب... التغيير...الاختلاف... و ايضا مشاعر الذنب من جراء تلك المشاعر جميعها... و رغم ان الشعور بالذنب كان يأتي و يروح  فتذكر ايضا انه لم يكن كافيا لِيكفَك عن اللهفة الشديدة لرؤية الكبار و هم يتساءلون و يحتار كل منهم في تفسير اللُغز الذي يحيط بك و بتصرفاتك و غرابة ما تقول و تفعل ..... علَهم يُخرجون مخلوق الفضاء الذي يسكنك و تذكر أيضا هوسهم و جنون العظمة الذي كان يسكنهم...و المثالية التي كادت تقتلهم ... و القالب المؤلم الذي كان يحرك حتى  ملامحهم. ليسوا جميعا سواء و لكن كان هناك كبار ....

 

الكبار الشاكون الباكون المتذمرون..... هل تتذكرهم و تذكر القضايا التي وكَلوا فيها محامون قديرون رفيعوا المستوى .... خسروا قضيتهم امامك ربما لان المرافعة افتقرت الى أدلة و المحاكمة طال انتظارها و التُهم تغيرت بشكل متسارع و القاضي قرَر ان يشنق نفسه لأنه و طرفيْ الاتهام جميعا من القصَر....

 

ينظر اليك الآن احد هؤلاء الكبار بعد ما أصبحتما جميعا كبار و فعلا جميعا من ذات الطبقة و انكما و لحسن الحظ تعرفان بعضكما منذ زمن و ان ما يعرفه عنك كان صحيحا و ان ما توقعه منك بات واقعا و ان أظرف ما حدث هو ان الايام تمر بسرعة ليرى ان الصغار كبروا و هاهم يجلسون الى جانب الكبار و يعاملون معاملة الكبار و يوضعون اخيرا في نفس الطبقة و يصنفون على انهم بشر و ليسوا مخلوقات فضاء.

 

قل لنفسك ايها الكبير ....كما يقول احد الفلاسفة أن التعامل مع كل البشر و كافة الطبقات العمرية و الاجتماعية  بنفس الطريقة إما انه يعني انك تحترم الانسانية و اما انك تزدريها.








آخر تحديث
12/7/2014 10:12:19 AM